¤ بذرة الشرّ تهيج، ولكنّ بذرة الخير تثمر:
شتّان حقاً بين البذرة المرّة المنبثقة عبر الغبار والوحل شاقّة بأذرعها الواهية الفارغة عنان الفضاء، وبين البذرة الحلوة المتمهّلة بانطلاقتها تحمل الأوراق المخضرّة ثم الزهور الأرجة، ومن بعدها ينعقد ثمرها النافع فيصير قطافها موسم خير وبركة وعطاء رزق ويسر ورخاء.
هنا مثال يعيش فينا ويحذّرنا أن نكون في الحياة كتلك البذرة الخواء التي إنطلقت دون نظام ولا هدف محدد، فإذا مصيرها اليباس والإصفرار، والتطاير جذاذاً من حطام، ويدعونا أن نكون بذرة خير نبتت لتحيي القلوب، وتوسّع على الخلق وتعيش لسنين وهي تمد الكون بكل إيجابيات وجودها وخيرات عطاءها.
بذرة الشرّ تهيج، لأنّ الشرّ يتطاير ذرّات حارقة كالشرر المنفلت من النار اللاهبة فيحطّ أينما إتفق دون تمييز، فيحرق ويدع العمران خراباً، ويلقي بلهيبه المستعر على براعم الحياة المورقة المتفتحة بالوعود المشرقة فيحيلها إلى أشياء متفحّمة بعد أن كانت تنطق بالحياة وهي تهيج وتكبر وتعمى حتى ما تعود ترى إلا السواد والخراب والأذى.
إذ ينفخ فيها الشيطان ويوهمها بأنّها أكبر من كل شيء وأقدر من كلّ قدرة، وأعظم شأناُ من كل من يقف في وجهها فتنهال على الأعداء المفترضين قتلاً وإفناء وتحبيطا وإذلالا، تزرع الشؤم والبلاء، وكيف لا تفعل وهي وليدة الشيطان والنفس والهوى والضلال؟.
وعلى ضفة الحياة المقابلة بذور زرعتها أيد طاهرة وتعهّدتها قلوب مؤمنة، وحفظتها صدور رحبة حانية وسقتها عيون مخبتة منيبة الى ربّها، فصبرت على بذرة الشرّ وهي تحاول إقتلاعها، وتقف في وجه نموّها، وتتربّص بها لحظة بلحظة، وقد ظنّت أنّها قادرة على ذلك ولكنّ الخير الكامن في تلافيف الجذور المندفع عبر إخضرار الوريقات الندية والواعد بالعطاء الماثل في نور الزهر، وعطره وحلاوة الثمر وفيضه.
كلّ هذا يقف هازئاً بتلك المحاولات الشرّيرة لطمس الحق والخير والقسط والتوفيق الربّاني، وكلّ هذا يقف صابرا منتظرا الوعد الصادق بزوال البذرة الخبيثة والغصون الشائكة المتوعّدة والشرر المتطاير الذي تتلاعب به ريح الفساد والطغيان لتجعل منه سيفاً مسلّطاً على رقاب الخيّرين الأطهار ولا يفزع الشرّ الخير أبداً فالقلوب المليئة ذكراً وشكراً وطمأنينة ورضى تركن إلى ربّها القويّ العزيز، فتسري فيها روح العزة والكرامة والقوة والإستبسال.
وتمضي غير هيّابة بإتجاه الهدف الذي وضعته نصب عينيها وهو رضا الرب المعبود المرتجى المقصود، وتسلك إلى هذا الهدف طريق الطّاعة المتمثلة في قول ربّها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمُ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج:77].
فهو الفلاح إذن غاية المأمول ومنية الطالب، فأنّى للشرّ الزائف الهائج المماري أن ينال من بذرة غرست لتبقى وتمتد وتتناقلها الأجيال المتعاقبة على هذه الأرض في رحلة تسري عبر الزمان برعاية الله سبحانه الذي يزن الخير والشرّ بالمثقال الصغير كي لا تضيع منه ذرّة مهما صغرت أو كبرت.
فيا من تسعون إلى الجنة والرضوان والجوار الكريم عليكم بتلك البذرة الخيّرة المودعة في قلوبكم تعاهدوها بالنّماء والتقويم والثبات والإمتداد حتى تلقوا ربّكم وقد رضيتم عنه ورضي عنكم {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه*وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:7-8].
الكاتب: رقية القضاة.
المصدر: موقع ياله من دين.